سورة الإسراء - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


قوله عز وجل: {ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل} أي رددنا وكررنا من كل معنى هو كالمثل في غرابته وحسنه. وقيل: معناه من كل وجه من العبر والأحكام والوعد والوعيد والقصص وغيره {فإبى أكثر الناس إلا كفوراً} أي جحوداً. قوله سبحانه وتعالى: {وقالوا لن نؤمن لك} أي لن نصدقك {حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً} لما تبين إعجاز القرآن وانضمت إليه معجزات أخر وبينات، ولزمتهم الحجة وغلبوا أخذوا يتغالون باقتراح الآيات، فقالوا: لن نؤمن لك. روى عكرمة عن ابن عباس أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب والنضر بن الحارث وأبا البختري بن هشام والأسود بن عبد المطلب، وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف والعاص بن وائل، ونبيهاً ومنبهاً أبني الحجاج اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إليّ محمداً فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه، فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعاً وهو يظن أنه بدا لهم في أمره بدء، وكان حريصاً يحب رشدهم حتى جلس إليهم فقالوا: «يا محمد إن بعثنا إليك لنعذر فيك وإنا والله لا نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك. لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وسفهت الأحلام، وشتمت الآلهة، وفرقت الجماعة، ما بقي من قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك فإن كنت جئت بهذا الحديث تطلب به مالاً جعلنا لك من أموالنا حتى أكثرنا مالاً وإن كنت تريد الشرف سودناك علينا وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي بك رئي تراه قد غلب عليك لا تستطيع رده بذلنا لك أموالنا في طلب الطب حتى نبرئك منه ونعذر فيك وكانوا يسمون التابع من الجن الرئي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بي ما تقولون ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم، ولا للشرف عليكم ولا للملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولاً وأنزل عليّ كتاباً، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً، فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن ترده عليَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم بيني وبينكم فقالوا: يا محمد إن كنت غير قابل منّا ما عرضنا عليك فقد علمت أنه ليس أحد أضيق بلاداً ولا أشد عيشاً منا، فسل لنا ربك الذي بعثك فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا، ويبسط لنا بلادنا ويفجر لنا فيها الأنهار كأنهار الشام والعراق وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن منهم قصي بن كلاب فإنه كان شيخاً صدوقاً فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل فإن صدقوك صدقناك. فقال رسول الله صلى الله عليه سلم: ما بهذا بعثت فقد بلغتكم ما أرسلت به، فإن تقبلوه فهو حظكم وإن تردوه أصبر لأمر الله تعالى قالوا: فإن لم تفعل هذا فسل لنا ربك أن يبعث ملكاً يصدقك، وسله أن يجعل لك جنات وقصوراً وكنوزاً من ذهب وفضة يعينك بها على ما تريد، فإنك بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه فقال: ما بعثت بهذا ولكن الله بعثني بشيراً ونذيراً. قالوا: فأسقط السماء كما زعمت إن ربك إن شاء فعل. فقال: ذلك إلى الله إن شاء فعل ذلك بكم» وقال قائل منهم: لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلاً فلما قالوا ذلك قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام معه عبد الله بن أبي أمية، هو ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب فقال يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفهسم أموراً يعرفون بها منزلتك من الله فلم تفعل ثم سألوك أن تجعل ما تخوفهم به من العذاب، فلم تفعل فوالله ما أؤمن لك أبداً حتى تتخذ إلى السماء مرقى ترقى فيه، وأنا أنظر حتى تأتيها فتأتي بنسخة منشورة معك ونفر من الملائكة يشهدون لك بما تقول، وايم الله لو فعلت ذلك لظننت أن لا أصدقك. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزيناً من مباعدتهم فأنزل الله تعالى: {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض} يعني أرض مكة {ينبوعاً} أي عيوناً أو {أو تكون لك جنة من نخيل وعنب} أي بستان فيه نخيل وعنب {فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً} أي تشقيقاً {أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً} أي قطعاً {أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً} قال ابن عباس: كفيلاً أي يكفلون بما تقول. وقيل هو جمع القبيلة أي بأصناف الملائكة قبيلة قبيلة، يشهدون لك بصحة ما تقول. وقيل: معناه تراهم مقابلة عياناً {أو يكون لك بيت من زخرف} أي من ذهب وأصله الزينة {أو ترقى} أي تصعد {في السماء ولن نؤمن لرقيك} أي لأجل رقيك {حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه} أمرنا فيه باتباعك وهذا قول عبد الله بن أبي أمية {قل} أي قل يا محمد {سبحان ربي} أمره بتنزيهه وتمجيده وفيه معنى التعجب {هل كنت إلا بشراً رسولاً} أي كسائر الرسل لأممهم وكان الرسل لا يؤتون قومهم إلا بما يظهره الله عليهم من الآيات، فليس أمر الآيات إليهم إنما هو إلى الله تعالى، ولو أراد أن ينزل ما طلبوا لفعلن ولكن لا ينزل الآيات على ما اقترحه البشر وما أنا إلا بشر، وليس ما سألتم في طرق البشر واعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من الآيات والمعجزات ما يغني عن هذا كله، مثل القرآن وانشقاق القمر ونبع الماء من بين أصابعه وما أشبهها من الآيات، وليست بدون ما اقترحوه بل هي أعظم مما اقترحوه والقوم عامتهم كانوا متعنتينن ولم يكن قصدهم طلب الدليل ليؤمنوا فرد الله تعالى عليهم سؤالهم.


قوله عز وجل: {وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى} أي الحي. والمعنى: وما منعهم الإيمان بالقرآن وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا شبهة تلجلجت في صدورهم هي إنكارهم أن يرسل الله البشر وهو قوله تعالى: {إلا أن قالوا} أي جهلاً منهم {أبعث الله بشراً رسولاً} وذلك أن الكفار كانوا يقولون لن نؤمن لك لأنك بشر وهلا بعث الله إلينا ملكاً فأجابهم الله بقوله: {قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين} أي مستوطنين مقيمين فيها {لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً} أي من جنسهم لأن الجنس إلى الجنس أميل {قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم} أي على أني رسوله إليكم وإني قد بلغت ما أرسلت به إليكم، وأنكم كذبتم وعاندتم {إنه كان بعباده} يعني المنذرين والمنذرين {خبيراً بصيراً} أي عالماً بأحوالهم، فهو مجازيهم وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ووعيد الكفار {ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه} أي يهدونهم وفيه أيضاً تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن الذين حكم لهم بالإيمان والهداية وجب أن يصيروا مؤمنين ومن سبق لهم حكم الله بالضلال والجهل استحال أن ينقلبوا عن ذلك {ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم}.
(ق) «عن أنس أن رجلاً قال: يا رسول الله قال الله الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أيحشر الكافر على وجهه قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا، قادراً على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟ قال قتادة حين بلغه بلى وعزة ربنا» وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف صنفاً مشاة، وصنفاً ركباناً، وصنفاً على وجوههم. قيل يا رسول الله وكيف يمشون على وجوههم قال: إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم أما إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك» أخرجه الترمذي الحدب كل ما ارتفع من الأرض {عمياً وبكماً وصماً} أي لا يبصرون ولا ينطقون ولا يسمعون. فإن قلت: كيف وصفهم بأنهم عمي وبكم وصم وقد قال الله تعالى: {ورأى المجرمون النار} وقال {دعوا هنالك ثبوراً} وقال {سمعوا لها تغيظاً وزفيراً} فأثبت لهم الرؤية والكلام والسمع. قلت فيه أوجه: أحدهما قال ابن عباس معناه عمياً لا يبصرون ما يسرهم بكماً لا ينطقون بحجة صماً لا يسمعون ما يسرهم. الوجه الثاني: قيل معناه يحشرون على ما وصفهم الله وتعالى ثم تعاد إليهم هذه الأشياء. الوجه الثالث: قيل معناه هذا حين يقال لهم اخسئوا فيها، ولا تكلمون فيصيرون بأجمعهم عمياً وبكماً وصماً لا يرون ولا ينطقون ولا يسمعون {مأواهم جهنم كلما خبت} اي سكن لهيبها. وقيل: ضعفت وهدأت من غير أن يوجد نقصان في إيلام الكفار، لأن الله سبحانه وتعالى قال: لا يفتر عنهم وقيل معناه أرادت أن تخبو {زدناهم سعيراً} أي وقوداً وقيل معناه خبت أي نضجت جلودهم واحترقت أعيدوا إلى ما كانوا عليه، وزيد في سعير النار لتحرقهم.


{ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا} لما ذكر الوعيد المتقدم قال: ذلك جزاؤهم بما كفروا يعني ذلك العذاب جزاؤهم بسبب كفرهم بآياتنا {وقالوا أئذا كنا عظاماً ورفاتاً أئنا لمبعوثون خلقاً جديداً} أجابهم الله ورد عليهم بقوله: {أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض} أي في عظمها وشدتها {قادر على أن يخلق مثلهم} أي في صغرهم وضعفهم {وجعل لهم أجلاً} أي وقتاً لعذابهم {لا ريب فيه} أي لا شك فيه أنه يأتيهم قبل الموت، وقيل يوم القيامة {فأبى الظالمون إلا كفوراً} أي جحوداً وعناداً {قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي} أي خزائن نعمه ورزقه وقيل: إن خزائن الله غير متناهية. والمعنى: لو أنكم ملكتم من النعم خزائن لا نهاية لها {إذاً لأمسكتم} أي لبخلتم وحبستم {خشية الإنفاق} والفقر والنفاد وهذا مبالغة عظيمة في وصفهم بهذا الشيء {وكان الإنسان قتوراً} أي ممسكاً بخيلاً. فان قلت: قد يوجد في جنس الإنسان من هو جواد كريم، فكيف وصفه بالبخل؟ قلت: الأصل في الإنسان البخل، لأن خلق محتاجاً والمحتاج لا بد وأن يحب ما يدفع به عنه ضرر الحاجة، ويمسكه لنفسه إلا أنه قد يجود لأسباب خارجة مثل أن يحب المدحة أو رجاء ثواب، فثبت بها أن الأصل في الإنسان البخل. قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات} أي دلالات واضحات. قال ابن عباس: هي العصا واليد البيضاء والعقدة التي كانت بلسانه، فحلها وفلق البحر والطوفان والجواد والقمل والضفادع والدم وقيل عرض فلق البحر، واليد والسنون نقص من الثمرات وقيل: الطمس والبحر بدل السنين والنقص. قيل كان الرجل منهم مع أهله في الفراش وقد صارا حجرين والمرأة قائمة تخبز، وقد صارت حجراً وقد روي أن عمر بن عبد العزيز سأل محمد بن كعب القرظي عن الآيات فذكر منها الطمس فقال عمر: هذا يجب أن يكون الفقيه ثم قال يا غلام اخرج ذلك الجراب فأخرجه. فإذا فيه بيض مكسر نصفين، وجوز مكسر نصفين وثوم وحمص وعدس كلها حجارة. وقيل: التسع آيات هي آيات الكتاب وهي الأحكام يدل عليه ما روي عن صفوان بن غسان أن يهودياً قال لصاحبه: تعالى حتى نسأل هذا النبي فقال الآخر: لا تقل نبي. فإنه لو سمع صارت له أربع أعين، فأتياه فسألاه عن هذه الآية. ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فقال: «لا تشركوا بالله شيئاً ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تزنوا ولا تأكلوا الربا، ولا تسحروا ولا تمشوا بالبريء إلى سلطان ليقتله ولا تسرفوا ولا تقذفوا المحصنات ولا تفروا من الزحف، وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت فقبلا يده وقالا: نشهد إنك نبي قال: فما يمنعكم أن تتبعوني» قالا إن داود دعا ربه أن لا يزال في ذريته نبي، وإنا نخاف إنا اتبعناك أن تقتلنا اليهود {فاسأل} يا محمد {بني إسرائيل} يجوز الخطاب معه والمراد غيره ويجوز أن يكون خاطبه وأمره بالسؤال ليتبين كذبهم مع قومهم {إذا جاءهم} يعني جاء موسى إلى فرعون بالرسالة من عند الله عز وجل: {فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحوراً} قال ابن عباس: مخدوعاً وقيل: مطبوباً اي سحروك وقيل معناه ساحراً معطى علم السحر، فهذه العجائب التي تفعلها من سحرك.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7